.
فَضْلُ اَلْرُّؤْيَا ومكانتها :
.
وردت نصوصٌ كثيرة تبيّنُ فضلَ الرُّؤيا ومكانتها في هذا الدين، وسأورِدُ بعضها- على سبيل الاختصار-؛
لأن المقصود هو الكلام على ما يتعلّق بمسألة العمل بالرُّؤى، والكلام على فضلها هو بمثابةِ التوطئةِ والتمهيدِ بين يديّ الكلام على هذه المسألة..
.
ومن هذه النصوص:
1- قولُ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- :
« رؤيا المؤمن جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة »
قال بعض السلف :"وما كانَ من النبوةِ فإنه لا يكذِب" .
.
2- قول النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- :
« لم يبقَ منَ النبوةٍ إلّا المُبشرِّات »
قالوا : و ما المُبشراتُ ؟
قال: « الرؤيا الصالحة »
.
و قوله "المبشرات" هذا هو الأصل في الرؤيا أنها مبشرة غالبًا و لا يمنع أن تأتي الرؤيا منذرةً و محذِّرةً،
و هي صادقةٌ يريها الله لعبده المؤمن؛ رفقًا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه.
.
3- وردَ في تفسيرِ قولهِ تعالى :
{لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ}
تفسيرُ النبي –عليه الصلاة والسلام- لها بالرؤيا الصالحةِ.
.
4- كان النبيُّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا صلى الصبحَ أقبل عليهم بوجهِه فقال:
« هل رأى أحدٌ منكم البارحةَ رُؤْيا؟ ».
.
وهذا في المسجدِ أمامَ النّاسِ، وفيهم من هوَ قويُّ الإيمانِ ومن هو ضعيفُ الإيمانِ , أو منَ المُنافقينَ..
ومع ذلكَ يسألُهُم ويَعْبُرُها لهم ولا يُتَصوَّر أنَّ هذا تضيعٌ للوقتِ , أو انشغالٌ بما لا فائدةَ فيهِ، بل هوَ تعليمٌ للأمَّةِ وتنبيهٌ لها
على أهميتها وفضلها والاعتناءِ بها , وأنَّ هذا من الأمورِ التي شرَعها النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- لأُمتهِ في السؤالِ عنها
والحِرْصِ على سماعِها ومعْرِفتها.
.
5- تأثيرُ الرؤيا في تحفيزِ المُسلم على العملِ الصالحِ , وتثبيتهِ في أوقاتِ الشدَّةِ:
ومن ذلك قصةُ عبد الله بن عمر والرؤيا التي رأى فيها جهنم كأنَّها بئرٌ مطوية...", وقصها على حفصة –رضي الله عنها-
فقصتها على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
فقال: « نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل » فما تركَ عبد الله بن عمر قيام الليل بعدَ ذلك.
.
فتأمَّل كيفَ أثّرتِ الرؤيا في تحفيز عبد الله بن عُمر وحثهِ على قيامِ الليلِ مع أنَّ هُناكَ في القُرآنِ من الآياتِ الدّالةِ على فضلِ قيامِ الليلِ .
وكذلك الأحاديث التي يرغبُ فيها الرسول –صلى الله عليه وسلم- في قيامِ الليلِ , و منَ البعيدِ ألّا يكونَ عبدُ اللهِ بن عمر قد اطّلع عليها.
ولكن انظر كيفَ أثرت الرؤيا فيه!
.
ومن ذلك ما جاء في القرآن , قال تعالى:
{إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }
.
فهذه الآية تدلُكَ على مدى تأثيرِ الرؤيا في نفوسِ الصحابة –رضوانُ الله عليهم- وأنَّ الرسولَ –صلى الله عليه وسلم-
لو أراهُ اللهُ المُشركينَ وأنّهم كثيرون , وسمعَ الصحابةُ منهُ هذهِ الرؤيا لربما أدَّى ذلك إلى الفشلِ والتنازعِ فيما بينهم.
.
ولكنَّ اللهَ لطفَ بهم وسلّمَ وأرى نبيَّهُ الكريم –صلوات الله وسلامه عليه- عدد المشركين قليلًا , فسُرَّ الصحابةُ بذلك وتشجّعوا على القتال .
وهذا مع كونهم يؤمنون بوعدِ اللهِ الصادق بالنصرِ والتمكين , ويتلون آياتِ الله , ويسمعون كلامَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-
.
ويدركون فضل الشهادة وهم على جانبٍ عظيم من الإيمان , ومع ذلك فإنَّ الرؤيا تؤثر في نفوسهم سلبًا أو إيجابًا
{وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} ؛
.
فلا شك أنَّه من يهمل تأثيرها، ويقلل من قيمتها، ومن عِظَم شأنها في النفوس
مُجانبٌ للصوابِ مُخالفٌ لما دلَّتْ عليه نصوص الكتاب والسنّة.
.
ولماّ كان شأن الرؤى بهذه المثابة اهتم العلماء من الفقهاء والأصوليين بذكر ما يتعلق بها من أحكامٍ وضوابط
ولو كان إلغاؤها أمرًا صحيحًا معتبرًا لما اشغلوا أنفسهم بها